((المعطي)) رجل ممتلئ ، تساقطت بعض شعيرات جبهته التي كانت آثار الصلاة واضحة عليها ، وامتلأ رأسه شيبا ، رزق ثلاثة أولاد ، وفدان أرض ورثه عن أبيه . اشتدت وطأة المرض عليه ، فقرر أن يجمع أبناءه ليقد م لهم آخر نصائحه :
- اسمع يا محمد ، وأنت يا مجيد ، و أنت يا نجمة ، لقد أنفقت أعوامي الطويلة متمسكا بالله والأرض ، ليس هناك أجدى منهما : الأرض تضمن قوت الحياة الدنيا ، والله يشملك برعايته ورحمته يوم الدين. وغلبته موجة سعال حاد ، وما إن توقفت حتى تابع كلامه :
- اسمعوا يا أولاد ، هنا وجدنا نحن وآباؤنا ، وسنظل هنا ، فلا تزرعوا خيانة الأرض في نفوس أبنائكم ، أعرفتم كيف يعيش من هاجروا قبلكم؟
كان الأولاد واجمين أمام رهبة أبيهم الطويل الذي لم يدخن السجارة مرة ، ولم يلوث رئتيه هواء المدن ، ولم تستقر قدماه في حذاء . نطق محمد في صوت كالهمس :
- ولكننا لا نجد أحيانا ما نأكل يا والدي..
قالت نجمة محاولة ترضية أبيها :
- نحن طوع أمك يا والدي.
ووقف مجيد حائرا ، فقد أراد أن يغادر القرية مع من غادروها ، إذ كان يحس بدبيب المغامرة يسري في داخله ، ويشعر بأن ألف دافع يناديه ليرحل صوب الأماكن البعيدة المجهولة ، حلم يمر كساقية ماء تروي نبتة أتعبها الجفاف ، لكن عزم أبيه وتصميمه وقوة تشبثه بالأرض ، كانت أشبه بمعاول تقوض بناء ذلك الحلم.
الأولاد الثلاثة منتصبون ، وهم يتأملون قطعان الماشية تنعم بالرخاء الأخضر الذي تتوسده القرية. عادت الرؤوس لتفكر وفق عادات القرية الهادئة ، والشمس والمراعي والمواسم ، والخوض في مياه الترع ، ثم الزواج وتكرار ما فعله الألوف من الناس على امتداد تاريخ هذه القرية الوادعة . تساءل الأب :
- ألا يحدثك قلبك بشيء يا مجيد؟
وانتفض مجيد قبل أن ينطق لسانه بما في قرارة نفسه :
- لن يحدثني قلبي إلا بطاعتك يا والدي ، من الأرض جئنا وإليها نعود...
كانت الشمس آنذاك أكثر إشراقا ، تلتمع تحت وهجها سواقي الماء ، وهمس محمد :
- إن ذهب الجميع ، فأبناء المعطي باقون هنا ، أقدامهم راسخة في هذه الأرض ، ولن تنام عيونهم إلا على ترابها.
قال المعطي بكبرياء ورضى :
- أنتم أولادي حقا ، ظلي الذي لن يطيق أحد انتزاعه مني.
يحدثنا تاريخ القرية ، أن أبناء المعطي كانوا أوفياء للعهد ، ولم يهاجروا قريتهم مطلقا ، حتى دفنت فيها جثثهم.
* ملاحظة النص واستكشافه :
* فهم النص :
* تحليل النص :
1- أحداث النص :
أ – تأكيد الأب على أهمية التمسك بالله والأرض ودعوة أبنائه إلى عدم خيانتها
ب- تعدد الأسباب الداعية إلى الهجرة دفع الأبناء إلى التردد في القبول بوصية أبيهم
ج- استحضار الأبناء لمميزات القرية وفضلها عليهم دفعهم إلى إسعاد أبيهم بتنفيذ وصيته والبقاء في القرية
2- ملامح الخطاب الحجاجي في النص :
ينبني النص على منطق حجاجي يتجلى في اختلاف المواقف والآراء بين الشخصيات المتحاورة ، ومحاولة كل طرف إقناع الآخر بصدق فكرته وبطلان فكرة خصمه ، والجدول التالي يوضح هذه الملامح :
3- الزمن في النص :
يمكن تقسيم الزمن في هذا النص إلى قسمين :
- الزمن الاسترجاعي : ومن أمثلته : - أنفقت أعوامي الطويلة
- هنا وجدنا نحن و آباؤنا
- لم يدخن السجائر مرة
- الزمن الاستباقي : ومن أمثلته : - سنضل هنا
- لم يهاجروا قريتهم مطلقا..
- لن تنام عيونهم إلا على ترابها
- أبناء المعطي باقون هنا
* التركيب والتقويم :
يعالج النص قضية الهجرة القروية من خلال موقفين متعارضين هما : موقف الأب الداعي إلى التشبت بالأرض وعدم الهجرة ، وموقف الأبناء المتمثل في التفكير في الهجرة وترك القرية . وقد قدم كل فريق حججه ومبرراته.. ، لكن الأب هو من تفوق في الأخير ، وتمكن من إقناع أبنائه بالبقاء في القرية.
وعلى مستوى الأسلوب مزج الكاتب بين السرد و الوصف والحوار ، حيث وظف السرد لعرض أحداث النص ، ووظف الوصف لنقل صورة عن الشخصيات ، ووظف الحوار لعرض المواقف والآراء.
- اسمع يا محمد ، وأنت يا مجيد ، و أنت يا نجمة ، لقد أنفقت أعوامي الطويلة متمسكا بالله والأرض ، ليس هناك أجدى منهما : الأرض تضمن قوت الحياة الدنيا ، والله يشملك برعايته ورحمته يوم الدين. وغلبته موجة سعال حاد ، وما إن توقفت حتى تابع كلامه :
- اسمعوا يا أولاد ، هنا وجدنا نحن وآباؤنا ، وسنظل هنا ، فلا تزرعوا خيانة الأرض في نفوس أبنائكم ، أعرفتم كيف يعيش من هاجروا قبلكم؟
كان الأولاد واجمين أمام رهبة أبيهم الطويل الذي لم يدخن السجارة مرة ، ولم يلوث رئتيه هواء المدن ، ولم تستقر قدماه في حذاء . نطق محمد في صوت كالهمس :
- ولكننا لا نجد أحيانا ما نأكل يا والدي..
قالت نجمة محاولة ترضية أبيها :
- نحن طوع أمك يا والدي.
ووقف مجيد حائرا ، فقد أراد أن يغادر القرية مع من غادروها ، إذ كان يحس بدبيب المغامرة يسري في داخله ، ويشعر بأن ألف دافع يناديه ليرحل صوب الأماكن البعيدة المجهولة ، حلم يمر كساقية ماء تروي نبتة أتعبها الجفاف ، لكن عزم أبيه وتصميمه وقوة تشبثه بالأرض ، كانت أشبه بمعاول تقوض بناء ذلك الحلم.
الأولاد الثلاثة منتصبون ، وهم يتأملون قطعان الماشية تنعم بالرخاء الأخضر الذي تتوسده القرية. عادت الرؤوس لتفكر وفق عادات القرية الهادئة ، والشمس والمراعي والمواسم ، والخوض في مياه الترع ، ثم الزواج وتكرار ما فعله الألوف من الناس على امتداد تاريخ هذه القرية الوادعة . تساءل الأب :
- ألا يحدثك قلبك بشيء يا مجيد؟
وانتفض مجيد قبل أن ينطق لسانه بما في قرارة نفسه :
- لن يحدثني قلبي إلا بطاعتك يا والدي ، من الأرض جئنا وإليها نعود...
كانت الشمس آنذاك أكثر إشراقا ، تلتمع تحت وهجها سواقي الماء ، وهمس محمد :
- إن ذهب الجميع ، فأبناء المعطي باقون هنا ، أقدامهم راسخة في هذه الأرض ، ولن تنام عيونهم إلا على ترابها.
قال المعطي بكبرياء ورضى :
- أنتم أولادي حقا ، ظلي الذي لن يطيق أحد انتزاعه مني.
يحدثنا تاريخ القرية ، أن أبناء المعطي كانوا أوفياء للعهد ، ولم يهاجروا قريتهم مطلقا ، حتى دفنت فيها جثثهم.
عبد الرحمن مجيد الربيعي . عن ((المواسم الأخرى)) ص 81 - دار الطليعة . الطبعة الأولى - 1970م
* التعريف بالكاتب : [ عبد الرحمن مجيد الربيعي ]* مراحل من حياته : - ولد في مدينة الناصرية جنوب العراق سنة 1939م - درس الرسم وتخرج من معهد الفنون الجميلة ببغداد - بدأ مشواره الأدبي بالنشر في الصحف العراقية والعربية - أشرف على تحرير الصفحة الثقافية في جريدة الأنبار الجديدة ، والفجر الجديد -عمل مديرا للمركز الثقافي العراقي في كل من بيروت وتونس - عضو هيئة تحرير مجلة "الحياة الثقافية" التي تصدرها وزارة الثقافة التونسية. * أعماله : - السيف والسفينة – الظل في الرأس – الخيول – وجوه من رحلة التعب – الوشم – عيون في الحلم … |
العتبات
|
الملاحظات
|
الفرضيات / التوقعات
|
1- العنوان | - تركيبيا : عنوان النص مركب إضافي يتكون من كلمتين - معجميا : ينتمي إلى المجال السكاني - دلاليا : يوحي العنوان بشدة التعلق بالأرض إلى درجة استنشاق رائحتها | يتوقع أن يكون هؤلاء المتعلقين بالأرض إلى هذه الدرجة من أبناء القرية / الفلاحين الذين يعشقون الأرض إلى حد كبير. |
2- بداية النص | تتضمن موصوفا رئيسيا “المعطي” وموصوفات فرعية هي الأوصاف الجسمية “رجل ممتلئ…” والأوصاف الاجتماعية (رزق ثلاثة أولاد..” - نلاحظ تكرار الجزء الثاني من العنوان “الأرض” - تتضمن حدثا يشير إلى مرض المعطي وقراره إسداء النصائح لأبنائه. | - يفترض أ يكون موضوع هذه النصائح مرتبطا بالأرض وضرورة الحفاظ عليها وعدم التفريط فيها. |
3- نهاية النص | تتضمن حدثا يشير إلى أن أبناء المعطي عملوا بوصية أبيهم ولم يتتركوا أرضهم | إذا ربطنا بين هذه النهاية وما جاء في بداية النص يمكن أن نفترض الحدث الرئيسي للنص. |
* نوعية النص : نص سردي ذو بعد سكاني |
الإيضاح اللغوي
|
الحدث الرئيسي
|
- واجمين : ساكتين وعاجزين عن التكلم من شدة الحزن أو الخوف – دبيب : حركة وحيوية - انتفض : تيقظ ، وتحرك في اضطراب | تمكن الأب من زرع محبة الأرض في قلوب أبنائه ، وإقناعهم بالبقاء فيها رغم الجفاف الذي تعاني منه. |
* تحليل النص :
1- أحداث النص :
أ – تأكيد الأب على أهمية التمسك بالله والأرض ودعوة أبنائه إلى عدم خيانتها
ب- تعدد الأسباب الداعية إلى الهجرة دفع الأبناء إلى التردد في القبول بوصية أبيهم
ج- استحضار الأبناء لمميزات القرية وفضلها عليهم دفعهم إلى إسعاد أبيهم بتنفيذ وصيته والبقاء في القرية
2- ملامح الخطاب الحجاجي في النص :
ينبني النص على منطق حجاجي يتجلى في اختلاف المواقف والآراء بين الشخصيات المتحاورة ، ومحاولة كل طرف إقناع الآخر بصدق فكرته وبطلان فكرة خصمه ، والجدول التالي يوضح هذه الملامح :
الشخصيات المتحاورة
|
الفكرة المرفوضة
|
الحجج و المبررات
|
الفكرة المقترحة
|
- الأب “المعطي” | الهجرة إلى المدينة | - الأرض تضمن قوت الحياة… - هنا وجدنا نحن وآباؤنا… - أعرفتم كيف يعيش من هاجروا قبلكم؟ | البقاء في القرية |
- الأبناء ، وخاصة “محمد” و “مجيد” | البقائ في القرية | - لكننا لا نجد أحيانا ما نأكل يا والدي. - ألف دافع يدعوه يناديه ليرحل… | الهجرة إلى المدينة |
* النتيجة : تمكن الأب من إقناع أبنائه بالبقاء في القرية.. * نقطة التحول في النص : هي الفقرة التي يقول فيها الكاتب : “ الأولاد الثلاثة منتصبون ، وهم يتأملون قطعان الماشية……….على امتداد تاريخ هذه القرية الوادعة. |
يمكن تقسيم الزمن في هذا النص إلى قسمين :
- الزمن الاسترجاعي : ومن أمثلته : - أنفقت أعوامي الطويلة
- هنا وجدنا نحن و آباؤنا
- لم يدخن السجائر مرة
- الزمن الاستباقي : ومن أمثلته : - سنضل هنا
- لم يهاجروا قريتهم مطلقا..
- لن تنام عيونهم إلا على ترابها
- أبناء المعطي باقون هنا
* التركيب والتقويم :
يعالج النص قضية الهجرة القروية من خلال موقفين متعارضين هما : موقف الأب الداعي إلى التشبت بالأرض وعدم الهجرة ، وموقف الأبناء المتمثل في التفكير في الهجرة وترك القرية . وقد قدم كل فريق حججه ومبرراته.. ، لكن الأب هو من تفوق في الأخير ، وتمكن من إقناع أبنائه بالبقاء في القرية.
وعلى مستوى الأسلوب مزج الكاتب بين السرد و الوصف والحوار ، حيث وظف السرد لعرض أحداث النص ، ووظف الوصف لنقل صورة عن الشخصيات ، ووظف الحوار لعرض المواقف والآراء.
0 التعليقات: